الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
المولى اسم من أسماء الله الحسنى:
أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم من أسماء الله الحسنى، والاسم المولى، هذا الاسم ورد في القرآن الكريم، ورد مطلقاً وورد مضافاً، فالله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)﴾
وفي آية ثانية:
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾
ورد مضافاً:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)﴾
وقوله تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾
نقاط مهمة في خلق الإنسان:
أيها الإخوة الكرام؛ أريدَ بهذا الاسم العلَميّة، وأريدَ به الدلالة على كمال الوصفية، وهذا الاسم ينقلنا إلى موضوع دقيق وهو الحاجة إلى التدين، الحاجة إلى التدين حاجة في أصل فطرة الإنسان، لماذا؟ لأن الإنسان خُلِق ضعيفاً، هكذا خلقه الله عز وجل، هذه نقطة ضعف في أصل خلقه، ولكنها لصالحه، تماماً كهذه الوصلة الضعيفة في الآلات الغالية جداً، لو جاء تيار شديد لساحت، وانقطع التيار، وسَلِم الجهاز، فطبيعة ضعف الإنسان لصالحه، لأن الإنسان خُلِق ضعيفاً، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، خُلِق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)﴾
الإنسان بكامل قوته، وبكامل جبروته أحياناً، وبكامل طغيانه، قطرة دم لا تُرى بالعين تتجمد في بعض أوعيته، في دماغه يُصاب بالشلل، في مكان آخر يُصاب بالعمى، في مكان ثالث يُصاب بفقد الذاكرة، فالإنسان ضعيف، خُلِق ضعيفاً ليفتقر بضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خُلِق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، لذلك أحياناً يغتني الإنسان أو يقوى فينسى ربه، قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
مع أنه ضعيف، ومع أنّ أي خلل في جسمه يجعل حياته جحيماً، أحياناً قد يقوى بماله أو بمنصبه أو بعلمه المادي فيطغى، لذلك:
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)﴾
إذاً من فضل الله علينا، ومن نعمته العُظمى أننا ضِعاف، ومع الضعف افتقار إلى الله، ومع الافتقار إلى الله سعادة وأيّة سعادة، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾
أما في حُنين:
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
أيها الإخوة الكرام؛ الآية: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ هكذا خُلِق، هذا ضعف في أصل خلقه لصالحه.
أُذكركم مرة ثانية، تماماً كالقطعة تسمى بالمصطلح الأجنبي الفيوز، قطعة في آلة غالية جداً، عظيمة النفع، معقدة التركيب، هذه القطعة الضعيفة إذا جاء تيار قوي من شأنه أن يحرق الآلة تسيح هذه الوصلة الضعيفة فيسلم الجهاز، وكذلك الإنسان، هذا أول بند في نقاط ضعف الإنسان.
يوجد نقطة ثانية:
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)﴾
يريد الشيء السريع، يريد المتعة الآنية، لذلك معظمُ الناس يعيشون لحظتهم فقط، يستمتعون، وينسون آخرتهم، ينسون مغادرة الدنيا، ينسون القبر وما فيه من صعوبات، فلذلك البطولة لا أن تعيش الماضي، أو أن تتغنى بالماضي، ولا أن تعيش الحاضر، ولكن البطولة والعقل والذكاء أن تعيش المستقبل، ماذا في المستقبل؟ في المستقبل مغادرة الدنيا، وأخطر حدث في حياة الإنسان مغادرة الدنيا، وما من إنسان أشدّ عقلاً مِن هذا الذي يُعِدّ لهذه الساعة التي لابدّ منها، الإنسان عجول، يُحبّ البيت الواسع، والمركبة الفارهة، والزوجة الجميلة، ولو أضرّ هذا بآخرته، ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ .
لذلك حينما يختار الإنسان هدفاً بعد الموت يرقى عند الله، لأنه عاكس طبعه، معظم الناس يبحثون عن مُتَع آنية، عن مكاسب وقتية، يعيشون لحظتهم، ولا يعيشون مستقبلهم، والكيّس العاقل من دان نفسه، وعَمِل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، إذاً البطولة أن تعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا.
3 – الهلع:
نقطة ضعف ثالثة في حياة الإنسان، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)﴾
هكذا خُلق، معنى هلوعًا جاء شرحها بعد قليل:
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)﴾
أي إذا شعر الإنسان أن فيه ورماً بسيطاً إلى أن يتأكد ما إذا كان ورماً حميداً أم خبيثاً لا ينام الليل، هذا شأن أيّ إنسان، إن شعر أن في قلبه خللاً، والحياة منوطة بالقلب، لذلك لا ينام الليل، طبيعة الإنسان أنه خلق هلوعاً، ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ ولولا أنه هلوع لما تاب تائب إلى الله، ولولا أنه هلوع لما اقتيد الإنسان إلى باب الله عز وجل، ولولا أنه هلوع لما اصطلح مع الله، لأنه هلوع الله عز وجل جعله بهذه الصفة لتسْهُل توبته، وتسهُل عودته إلى الله، وليصطلح مع الله، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.
ثلاث نقاط ضعف هي موضع قوة الإنسان:
أيها الإخوة الكرام؛ ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ الهلوع ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ الإنسان حريص على سلامته، وعلى رزقه، فأيُّ شبح مصيبة لاحَ له في الأفق يهدد سلامته، أو يهدد رزقه انخلع قلبه له، إذاً الله عز وجل يسوقه إلى بابه، يسوقه إلى التوبة، يحمله على التوبة، يقوده إلى الصلح مع الله عز وجل، إذاً نقاط ثلاثة لصالح الإنسان، أن الإنسان عجول وضعيف وهلوع.
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾
حريص على ما في يديه، لماذا؟ لأن هذا الحرص يرفع مقامه عند الله إذا أنفقه، حريص على المال، فإذا أنفقته ترقى عند الله، المال محبَّب، قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾
لأن هذه الأشياء محببة إلينا إنفاقها يرقى الإنسان به، إذاً هذه نقاط أساسية في أصل خلق الإنسان، لصالحه، هذه النقاط الثلاثة نقاط الضعف في أصل خلقه هي سبب كبير كبير كبير لحاجته إلى التدين، أيّ إنسان بحاجة إلى التدين، حتى الذي يعتقد اعتقادات خاطئة، حتى الذي يعبد الحجر والشمس والقمر، ويعبد أشياء من دون الله، الدافع الأساسي للتدين أنه ضعيف، ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ فالبطولة وأنت بحاجة ماسة إلى التدين أن تعبد الإله الحقيقي، أن تعبد خالق السماوات والأرض، أما الذين عبدوا من دونه وثناً وشمساً وقمراً وحجراً هم يبحثون عن شيء يطمئنهم، هم ضعاف، حتى الإنسان غير المؤمن بمنصب رفيع في العالم الغربي يلجأ إلى فلكي ليرسم له مستقبله، الإنسان ضعيف، وهذه نعمة كبرى لصالح المؤمن.
أيها الإخوة الكرام؛ دققوا في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ أنت بحاجة إلى مولى، بحاجة إلى مرجع، بحاجة إلى مربٍّ، بحاجة إلى سند، بحاجة إلى من يدعمك، بحاجة إلى من تتوكل عليه، بحاجة إلى من يطمئنك، بحاجة إلى جهة قوية تحتمي بها من شرور أعدائك، هذا شيء طبيعي جداً في الإنسان، إلا أن المؤمن وصل إلى الإله الحقيقي، وصل إلى خالق السماوات والأرض، وصل إلى مَن بيده كل شيء، وصل إلى من بيده مصائر الخلائق، والله عز وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، ما لم تعتقد أن أمرك كله بيد الله، ما لم تعتقد أن الله هو المعطي وحده، وهو المانع، وهو الخافض، وهو الرافع، وهو المُعز، وهو المُذل، وهو الناصر، وهو المغني، وهو الرازق، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن ترى يد الله تعمل وحدها، التوحيد أن تتجه إلى الله، فلذلك التوحيد يقود إلى الطاعة لله عز وجل، إذاً: ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى﴾ .
من أحبه الله سخر له الأعداء ليخدموه:
عليم، لا تحتاج مع الله إلى إيصال، ولا إلى حلف يمين، هو يعلم، وبعضهم قال: الحمد لله على وجود الله، هو يعلم، هو معك، أعداؤك بيده، أقرب الناس إليك بيده، فإذا أحبك الله سخّر لك أعداءك ليخدموك، وإذا تخلى الله عنك-لا سمح ولا قدر-يتطاول عليك أقرب الناس إليك، كلمة دقيقة جداً: ليس إلا الله، وهذا معنى لا إله إلا الله، وكما بينت في لقاءات سابقة لا ينبغي أن تقول: الله ضار، الله ضار نافع، يضرّ لينفع، ومانع معطٍ، يمنع ليعطي، وخافض رافع، يخفض ليرفع، ومذل معز، يُذلّ ليعز، إذاً أسماء الله تعالى كلها حسنى، والذي يبدو لك أنه في شدة، في جبروت لصالح المؤمن:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
فقط للتوضيح، تصور ابناً له أب محترم جداً، عالم، أخلاقي، وضعه المادي جيد جداً، وهذا الأب حريص على ابنه حرصاً لا حدود له، هيأ له غرفة خاصة، تابع تربيته الأخلاقية، تربيته الإيمانية، تربيته الدينية، تربيته العلمية، تربيته الاجتماعية، تربيته النفسية، تربيته الجسمية، تربيته الجنسية، تابعه، وضعه في أفضل المدارس، هيأ له أفضل المدرسين، اهتم بصحته، اهتم بعاداته، هذا الابن شيء ثمين جداً، وتصور ابناً ليس له أب، أمه أيضاً مشغولة عنه، بالأسواق، بالأزقة، بمداخل البنايات، من مخفر إلى مخفر، من مكان إلى مكان، يوجد عنده تُهَمٌ كثيرة جداً، تُهَمٌ أخلاقية، و تُهَمٌ مالية، وعنده سرقات، وله إضبارة واسعة، وازن بين هذين الشابين، شاب بأعلى درجات الانضباط والكمال، وشاب بأسوأ درجات التفلت والانحلال، اسمعوا الآية: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ لك مرجع أنت، لك كتاب تقرؤه، هذا حرام، هذا حلال، لك إله تدعوه في الليل، لك إله عظيم تسأله فيجيبك، تستغفره فيغفر لك، تتوب إليه فيتوب عليك، لك مرجع، يوجد عندك بحياتك منظومة قيم، هناك شيء حلال، شيء حرام، شيء ممكن، شيء غير ممكن، شيء مباح، شيء مكروه، شيء واجب، شيء مستحسن، أنت تعيش بمنظومة قيم، وهذا من فضل الله علينا، وعلى الناس، لذلك: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ يصعد صعوداً حاداً، ويسقط سقوطاً مريعاً، يأتيه المال من كل جهة ينفقه بلا وعي، مع الكِبر والغطرسة، فيسحقه الله عز وجل، ويدمر ماله، فرق كبير جداً.
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
من نعم الله الكبرى أن يكون الله عز وجل وليك:
أيها الإخوة؛ من نعم الله الكبرى أن يكون الله عز وجل وليك، ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ آية واحدة تملأ قلبك طُمأنينة:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
إذا فتح الله عليك باب الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، وربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك،
(( عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. ))
فلذلك أيها الإخوة؛ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الله عز وجل يتولى أمرنا، أحياناً يُضيق علينا، أحياناً تشح السماء يقيم المسلمون صلاة الاستسقاء، يلجؤون إلى الله، أحياناً يأتي شبح مرض، هذا المرض سبب توبة نصوح، أحياناً يأتي شبح فقر، هذا الفقر يسوقنا إلى باب الله، بطولتك أن تفهم حكمة الله في المصائب، البطولة أن ترى حكمة الله في أفعاله، الله عز وجل حكيم، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى﴾ عليم، حكيم، قدير، وقعت في ورطة، لا سمح الله ولا قدر، إن دعوته أولاً: موجود، ثانياً: يسمعك، ثالثاً: قادر على أن يلبيك، رابعاً: يحبك، موجود وسميع وقدير ورحيم.
تولِّي الله حفظ ونصرَ أنبيائه:
لذلك:
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( 1)﴾
فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم:
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
سيدنا يونس كان في بطن الحوت:
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
الله تعالى لا يُعذِّب أحبابه:
شيء آخر؛ ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا﴾ أي أنت حينما تُطيع الله عز وجل، وحينما تعبده-دقق- يُنشئ لك حقاً عليه ألا يعذبك، لذلك:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾
لو أن الله قبِل دعواهم لما عذبهم، لأن الله لا يعذب أحبابه.
الأمن والحكمة والرضا أشياء يتمتّع بها المؤمن الذي تولّاه الله:
المؤمن يتمتع بأمن لا يتمتع به أحد على الإطلاق، والدليل:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
لو أن الآية: أولئك الأمن لهم، أي لهم ولغيرهم، ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ هذه بالبلاغة عبارة قصر وحصر، ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ .
يتمتع المؤمن بالحكمة:
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
يتمتع المؤمن بالرضا، فلذلك حينما يسوق الله الإنسانَ إلى بابه عن طريق مصيبة، أو شبح مصيبة، أو ضيق، أو عدو جاثم على صدره، أو شبح فقر، أو شبح مشكلة، هذه بالفهم الإيماني نعمة باطنة:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)﴾
إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى:
أقول لكم هذه الكلمة: حينما يُتابعك الله عز وجل، وحينما يُخضعك لتربيته فأنت في خير عميم، وأنت في نعمة كبرى، إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى، لكن المصيبة الكبيرة أن يُتابع الله نِعَمه عليك، وأنت تعصيه، المصيبة الكبيرة أن تكون خارج العناية الإلهية: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أحياناً يُشدد عليهم، أحياناً يُضيق عليهم، أحياناً يُسلط عليهم عدوهم.
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾
الآن دققوا:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾
لذلك إذا كنت ضمن العناية المشددة فالله يتولى أمرك، وإذا تولى الله أمرك فأنت في نعمة كبرى، إذاً يوجد متابعة من قِبل الله عز وجل أنك أخطأت جاء العقاب، أسرفت في الإنفاق جاء التقتير، استعليت على إنسان جاء التأديب الذي من نوع هذه المعصية، صار تحجيماً، إنسان تطاول عليك، لأن الإنسان حينما يتطاول على غيره الله يؤدبه من جنس الذنب.
اسم الله المولى من أقرب الأسماء للإنسان:
الخلاصة: مادمت خاضعاً للعناية الإلهية فأنت في نعمة كبرى، لأن الله مولاك، ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ هو مولانا:
﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾
فيا أيها الإخوة الكرام؛ هذا الاسم المولى من أقرب الأسماء للإنسان، ولي أمرك، يتولى شؤونك، يُنعِم عليك، يُقتِّر عليك، يرفعك، يخفضك، يملأ قلبك طمأنينة، أو يملأ قلبك خوفاً، يتولى أمر جسمك، وأمر نفسك، وأمر مستقبلك، وأمر إيمانك، وأمر عقيدتك، وأمر علاقاتك، هذا التولي، ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ .
هذا الاسم أيها الإخوة الكرام؛ مرة ثانية من أقرب الأسماء للإنسان، ولأن الإنسان عنده نقاط ضعف ثلاثة؛ خُلِق هلوعاً، وكان عجولاً، وخُلِق ضعيفاً، نقاط الضعف تستوجب أن يكون له سند قوي يلجأ إليه، يحتمي به، يستعيذ به، يتوكل عليه، يعتمد عليه، وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
الملف مدقق